الإمارات ومصر... نهج سياسي جديد
مرت العلاقات السياسية الإماراتية المصرية خلال فترة حكم «الإخوان» بمرحلة من الشك وعدم الوضوح للمراقبين في العالم. وكان أبسط تعليق يمكن أن تسمعه حول ذلك بأنها «مفاجأة»، على اعتبار أن طبيعة العلاقات بين البلدين، والتي وضع أساسها المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لا يمكن أن تتحول إلى هذه المرحلة من الضبابية وعدم اليقين.
يبدو أن هناك من كان يستهدف تلك العلاقة لأسباب سياسية؛ فالعلاقة بين البلدين تتعدى العلاقات السياسية؛ نظراً لما يمثله الشيخ زايد ودولة الإمارات من مكانة وقيمة لدى الشعب المصري، وهذا ما دأب المصريون على تكراره دائماً. وما ذاك إلا نتيجة لما يربط الشعبين من علاقات إنسانية عميقة؛ سواء بسبب الرابط العائلي، أو بسبب وجود كثير من أبناء الشعب المصري الذين يعملون في الإمارات. وهذا كله جعل العلاقات الإماراتية المصرية أعمق من أن تحكمها مصلحة عابرة.
العلاقات الإماراتية المصرية ذات أبعاد مختلفة، وهذه حقيقة. ونتيجة لذلك كان السكوت أحياناً من الإماراتيين على تجاوزات البعض أفضل طريقة لعدم ابتذالها. في مقابل أن المصريين عبّروا عن رفضهم المساس بتلك العلاقات بين البلدين في أكثر من موقف. سواء داخل الدولة أو في مصر خلال تلك المرحلة الصعبة.
ما نراه هذه الأيام من استضافة الإمارات لوفد شعبي مصري يمثل شرائح الشعب المصري كافة، من سياسيين ومثقفين وفنانين وإعلاميين، دليل واضح على رغبة مصرية في استمرار العلاقة بين البلدين كما كانت وربما أفضل. وهو دليل عملي على رفضهم المساس بدولة الإمارات ممن يحاولون «التصيد» في الماء العكر.
هناك تحول ملحوظ في العلاقات بين البلدين من أجل استعادة الجزء الأكبر من النفوذ المصري في الإقليم، لكن بأدوات مختلفة. وليس أوضح من ذلك سوى تصريح سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، بأن مصر دولة كبيرة، ولابدّ لها أن تعتمد على نفسها. وهو عندما يقول ذلك يدرك أن هناك واجباً على الدول العربية، ومنها الإمارات، لمساعدة مصر حتى تجتاز هذه المرحلة الصعبة.
المصريون قادرون على قبول التحديات التي تواجه بلادهم، ولن يقبلوا على أنفسهم أن يقعوا تحت ضغط الآخرين. وهذا ما عبّر عنه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حين قال إن ما تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه مصر هو «واجب».
وبإمكان المراقب لسير العلاقة خلال الفترة الماضية أن يدرك أن هناك حركة بين البلدين تقوم على الرغبة بأن تكون هناك سياسة الفعل وليس رد الفعل بينهما حتى لا يتكرر ما حدث. كان للقيادة السياسية في الإمارات موقفها الواضح والإيجابي من التغيير الذي حصل بعد ثورة 30 يونيو، والسبب أن القيادة الإماراتية أدركت أن ما جرى هو رغبة الشعب المصري، ولهذا كان لابد من الوقوف معه. ويمكن للمراقب أن يدرك أن هذا التحول من أجل الحفاظ على المصالح العربية التي تأثرت نتيجة لتشكيلات المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة؛ فإيران تشكل مصالحها، وتركيا تعيد ترتيب علاقاتها، وكلها تدور حول المنطقة.
وما يمكن قراءته على المستوى الاستراتيجي، أن هناك رغبة تريد من خلالها «ترقية» العلاقات لتكون على المستوى الاستراتيجي، وهذا لا يمس العلاقات الإنسانية للحفاظ على الأمن في منطقة الخليج وعلى المصالح العربية عموماً مستفيدين من المكانة الإقليمية والدولية لمصر.
هناك إدراك سياسي لأهمية كل طرف للآخر، ومسألة الزيارات المتبادلة في الفترة الأخيرة على مستويات مختلفة هي رسالة لدول العالم لفهم أبعاد تلك العلاقة. ربما كانت زيارة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد لمصر وتصريحاته أفضل تعبير عن مدى أهمية مصر للإمارات. كما أن زيارة الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور الأسبوع الماضي جاءت تأكيداً للمكانة الخاصة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الاستراتيجية المصرية. وهذه كلها مؤشرات على أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيشهد تحولا كبيراً.
كثير من المواقف السياسية بين البلدين يمكن توصيفها انطلاقاً من تأكيد الطرفين على أنهما يعملان من أجل تغيير العلاقة نحو الأفضل. وإن التجارب السابقة بقدر ما كانت تحديات لطبيعة تلك العلاقة، فإنها كانت كذلك مرحلة لإعادة ترتيب العلاقة ذاتها لتتناسب وطبيعة ما تمر به المنطقة والدول العربية. هناك عودة قوية لـ«الروح» في العلاقات بين البلدين -بعد فترة 30 يونيو- أزالت الأوهام التي يمكن أن يكون قد استشفها البعض في أثناء حكم «الإخوان».
الحديث اليوم في الإمارات ينطلق من أهمية عدم التردد في اتخاذ قرارات استراتيجية وعدم الانتظار لاتخاذ قرارات مبنية على رد الفعل. وإن المبادرات السياسية، خاصة في القضايا الاستراتيجية، أمر مهم بعدما أثبتت الكثير من المواقف بأن الانتظار إلى حدوث مواقف سياسية يكون ثمنه أكبر بعد ذلك. وبعض المواقف تبدو أنها شأن داخلي لدولة معينة، لكنها في الحقيقة يمكن أن تعمل ضد بلد آخر أيضاً خاصة عندما تعارضها الأغلبية.
مصر دولة إقليمية مهمة، وعلى مر التاريخ كانت مرجعاً للسياسة الدولية في كثير من القضايا العربية والأفريقية. هناك العديد من العوامل تدعم أهمية مصر، سواء إطلالتها على أهم بحرين في المنطقة، البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، أو وجودها في منطقة جغرافية ما تزال محط أنظار العالم. طبعاً لا يمكن إغفال حجم الجيش المصري، ولا الكثافة السكانية، بالإضافة إلى أنها تمثل ثقلا ثقافياً وسياسياً مهماً.
هذه مبررات كافية لأن تدفع دولة الإمارات لتشارك رغبة المصريين في عودة «تأثير» بلادهم ونفوذها الإقليمي. وإذا كانت مصر تمر بفترة صعبة في تاريخها، فإن المصلحة الوطنية للدول العربية (قبل مصر) تتطلب الوقوف معها، خاصة في ظل حالة الضغط الدولي جرّاء التنازل عن مواقفها الوطنية خلال المرحلة السابقة.
لا يمكن النظر إلى العلاقة مع مصر من منطلق أنها دولة عربية شقيقة فقط، برغم أهمية ذلك، فثمة عوامل استراتيجية استثنائية تجعل تفضيل مصر إقليمياً أمراً مهماً على الصعيد العربي؛ فهي عمق استراتيجي عربي ينبغي الحفاظ عليه.